رفاق السوء
قرر أن يبدأ حياة جديدة بعد أن تخلص من كل شيء يذكره
بالماضي ، رمى بحبوب الحشيش وتخلص منها ، وعمد إلى جسد المليء بالوشم من
رأسه إلى أخمص قدميه والقي عليه ماء نار فحرقه ، رغم أنه ترك أثراً واضحاً
في جسده ، إلا أنه شعر أنه بحرق هذه الأوساخ قد حرق معها ذكريات حمد الله
تعالى أن تخلص منها ، ومن رفاق السوء الذين هجرهم إلى غير عودة ، مزق
ثيابه القديمة جميعها وألقى بها خارج البيت ، واستبدلها بدشداشة بيضاء
ومسبحة ما عادت تفارق يديه ، وأرخى للحيته العنان ، يراوده إحساس بعد أن
تخلص بكل ما يذكره بالماضي أو يعيده إليه أنه بات شخصاً آخر ، لأول مرة
أحس بطعم الحياة ، وأدرك كم أضاع من عمره أوقات ذهبت سدى .
رفقاء السوء لم يمهلوه طويلاً ، وبعد مدة
ألقى الثوب الأبيض عن جسده ، وقصر لحيته كثيراً ، عاد إلى ملابسه السابقة
، أزال لحيته بالكلية ، رجع فريسة سهلة بأيدهم ، احتاطوا به كما كانوا
يفعلون به سابقاً ، عادت لياليه إلى سابقاتها .
بعد أن أحس بتفاهة الحياة التي عاد لها مجدداً قرر أن ينهي حياته تلك ، شرب اليوم كثيراً من الحبوب التي بحوزته ، وأخرج سكيناً حاداً وبدأ يمزق بها جسده قطعة قطعة ، وسقط جثة هامدة.
هذه القصة واحدة من نماذج كثيرة تحدث بيننا ،
فكم من عاصي منّ الله بنعمة الهداية ، فتاب توبة نصوحة وأقلع عن المعاصي
وهجر الذنوب ، واقسم على الله أن لا يعود إلى ماضيه مجدداً ، ولكنه ما
أحسن الاختيار فافسد على نفسه ما كان قد عزم عليه من توبة ، لأن رفاق
السوء ما تركوه وما يريد فعاد إلى سيرته الأولى ، واضطرم بنارهم وانكوى
بشرورهم ، فكان عاقبته في هذا الخيبة والخسران.
لنتذكر بداية : أن باب التوبة مفتوح للجميع ، ولن يغلق إلا إذا بلغت الحلقوم ، أو أشرقت الشمس من مغربها ، يقول تعالى : [ قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ] الزمر 53 ، ولنبادر جميعاً إلى
التوبة والرجوع إلى جادة الصواب ، فهناك رب رحيم يغفر الذنوب جميعاً ،
ولكن يجب أن نحرص على الابتعاد عن رفقاء السوء وهجرهم إلى غير رجعة ونعمد
إلى اختيار أصدقاء الصلاح ، ولنتذكر قصة الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين
نفساً ، واتبعها بآخر ثم تاب فقبل الله توبته ونصحه أحد العباد بأن يترك
هذه القرية التي هو فيها ، ويهاجر إلى أخرى فيها رجال صالحون ، يساعدونه
لكي يستمر في طريق الهداية ولا يعود إلى الغواية من جديد.
فكم من صديق كان سبباً في دفع الشر عن
صاحبه لتناصحه معه ، ورده عما هم به من معاصي وآثام ، فكان نعم الأخ لأخيه
ونعم الصديق لصديقه عوناً له في الأخذ بيده إلى الحق ومساعدته في اجتناب
الخطأ والابتعاد عن المعاصي وتجنب الذنوب ، وهم الذين عناهم الله عز وجل
بقوله : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ
اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " التوبة 71 ، ويقول عز وجل : " الْأَخِلَّاء
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ "
وفيهم يقول عليه أفضل الصلاة والسلام : " مثل الجليس الصالح كحامل المسك
أما أن يحذيك وأما أن تبتاع منه وأما أن تجد منه ريحا طيبة "
وكم من صديق كان سبباً في التحريض على ارتكاب المعاصي أو
الاعتداء على الأعراض أو الوقوع في حد من حدود الله ، لا تهتز لهم شعرة
ولا يرف لهم رمش ولا يتحرك فيهم إحساس بالندم على أفعالهم موتى ضمائرهم
وأفئدتهم ، لا يخرجون من فاحشة إلا ليدخلوا في غيرها ، لا يتناهون عن منكر
فعلوه يدفع بعضهم بعضاً إلى اقتحام المعاصي وينشرونها بينهم ويجرون غيرهم
إليها ، نذير حسرة وندامة وهم من وصفهم الله عز وجل بقوله : "
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ
نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "
التوبة 67 ، وهم لن يستيقظوا على أنفسهم إلا وهم يعضون على أيديهم حسرة
وندماً ، وهيهات هيهات عندها : " وَيَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلاً ، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً
خَلِيلاً ، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً " الفرقان 27 – 29 . وفيهم
يقول عليه أفضل الصلاة والسلام : " ومثل جليس السوء كنافخ الكير ، ونافخ
الكير أما أن يحرق ثيابك وأما أن تجد ريحا خبيثة " ، أيها الشاب ، ولداً كان أم بنتاً : قل لي من تصاحب أقل لك من أنت.
أخيرا نصيحتي إلى الآباء والأمهات أن يتقوا
الله في أولادهم وبناتهم ، ربوهم على الأخلاق وعلموهم الصلاة وأمروا
بناتكم بالحجاب وهم أبناء سبعة واضربهم عليها وهم أبناء عشر ، ولا
تتهاونوا في هذا بحجة أنهم صغار ، فإن هذه المرحلة هي من أخطر مراحل العمر
، وعلى ما نشئ عليه الفتى يقضي بقية عمره ، لا تدعوهم يخرجوا كيفما شاءوا
وأينما أرادوا ، بحجة الذهاب إلى الدروس الخصوصية أو الدراسة عند أصدقائهم
وخصوصاً البنات ، تابعوهم اسألوا عن أصحابهم ومن يرافقون ، ربوهم صغاراً
لكي يحفظوكم كباراً ، اتقوا الله فيهم ، فإن الفتن من حولهم تتخطفهم
تخطفاً ، فلا تدعوا أبنائكم فريسة سهلة لهذه الفتن ، حصونهم بالمراقبة ،
وأبعدوهم عن رفقاء السوء ، علموهم الصلاة وحفظوهم القران ، وأبعدوهم عن
الأغاني والأفلام والمسلسلات الهابطة ، ذكروهم بقصص الأنبياء والصحابة لكي
ينشئوا على حبهم ويعملوا على تقلديهم ، احذروا الأفكار الخبيثة التي تسعى
لإبعاد الشاب عن دينه ، وتميع العقيدة في نفسه ، واحذروا أن يكونوا قدوتهم
الساقطين من المغنيين والمغنيات والفنانين والفنانات واعلموا أنهم أمانة
في أعناقكم وأنكم عنهم مسئولون .