يحتل الأوتوبيس جزءا كبيرا من حياة المصريين، حيث يقضون بداخله وقتا ربما يكون أكبر من الوقت الذي يقضونه في بيوتهم ومع أولادهم.. يذاكر فيه الطلبة وقت الامتحانات، ويقرأ فيه المثقفون الروايات، ويتخذه البعض وسيلة للتواصل الاجتماعي مع الغير والتعرف إلى أصدقاء جدد، إضافة طبعا إلى وظيفته الأساسية
والأوتوبيس لمن لا يعرف هو وسيلة نقل جماعية تكفي لنقل عدد كبير من الناس في وقت واحد، إضافة إلى السائق والكمسري طبعا، وهما الشخصان الوحيدان اللذان يضمنان الجلوس أثناء ركوب الأوتوبيس
*******
أول أوتوبيس نقل عام في العالم تم تشغيله عام 1826 في فرنسا، وقد شغله أحد أصحاب الحمامات العامة في فرنسا ويدعى: ستانيسلاس بودري، وكان خط الأوتوبيس ينقل الناس ما بين وسط المدينة وحمامات بودري.. وجد بودري أن الناس لم يكونوا مهتمين بالذهاب إلى حماماته، وأنهم كانوا ينزلون في منتصف الخط، فقام بتعديل مسارات خطوط الأوتوبيس وتطويرها، كما أصبحت تحمل البريد أيضا.. كان اسم المركبة في ذلك الوقت أوميني باص
Omnibus
وتذكر مصادر أخرى أن أول أوتوبيس أو أوميني باص كان في المملكة المتحدة عام 1824، وأنه كان ينقل الناس ما بين مانشستر وسالفورد
بعدها بسنوات قليلة انتشر الأومنيباص في المدن الأوربية كما عبر الأطلنطي إلى نيويورك. واستمر في الانتشار حتى عام 1905، حين أصبح له موتور وحصل على لقب أوتوباص أو أوتوبيس
Autobus
ومن هنا انتشر الأوتوبيس بسرعة في معظم أنحاء العالم في السنوات القليلة التالية
*******
في مصر بدأ القطاع الخاص في إنشاء شركات تقدم خدمة النقل الجماعي، ثم قامت الثورة وقام جمال عبد الناصر بتأميم هذه الشركات، وتم إنشاء هيئة النقل العام التي صارت مسئولة عن عمليات النقل الجماعي. كان الأوتوبيس بباب واحد للصعود والهبوط في البداية، وكان هذا يسبب الكثير من المشكلات، فالشخص الذي يصعد إلى الأوتوبيس لن يتمكن من الهبوط منه أبدا بسبب التزاحم الرهيب على الباب
بعد ذلك أصبح للأوتوبيس بابان، الخلفي للصعود والأمامي للهبوط، وقد قام مهندسوا هيئة النقل العام بإعادة تصميم الأوتوبيس وجعلوا أنبوبة العادم تتجه إلى أعلى نحو السماء بدلا من أن تكون متجهة للأرض، ظانّين أنهم بهذا يبعدون العادم عن الناس، إلا أن هذا أدى إلى انتشاره في مسافات أوسع نظرا لترسب مركبات الرصاص إلى الأرض مرة أخرى بفعل الجاذبية الأرضية، ليدخل في صدور أكبر عدد من الناس. كان القرار واحدا من أسوأ القرارات الهندسية في التاريخ
*******
في نهاية التسعينيات أطلقت هيئة النقل العام الأوتوبيس المكيف الضخم بتذكرة ركوب بجنيهين كانت غالية نسبيا في ذلك الوقت، واتخذت الهيئة شكلا أكثر حداثة بوضع شعار
CTA
على الحافلات، وهو اختصار لعبارة هيئة النقل العام بالقاهرة
Cairo Transportation Authority
وقد أعجب هواة الاختصارات الأجنبية بالشعار الجديد فأطلقوا الاسم على الأوتوبيس المكيف، فيقال مثلا: أنا كنت في
AUC
واتغديت في الـ
KFC
ورَوَّحت بالـ
CTA
وهكذا يتم إضافة نوع من الستايل الأجنبي على الموضوع، بحيث لا يُتهم الذي ركب الأوتوبيس بأنه شخص فقير، فهو يركب الـ
CTA
وليس الأوتوبيس، رغم أن أي أوتوبيس هيئة نقل عام يمكن أن نطلق عليه
CTA
بما فيهم الأوتوبيس الأحمر الرهيب
وقد اشتهر الأوتوبيس المكيف الجديد بتحوله إلى قِبلة للعشاق يفعلون في كنبته الخلفية المريحة ما يشاءون، وبدلا من أن يعزم الشاب صديقته على كازينو فإنه يعزمها على رحلة مكيفة لمدة ساعتين في الـ
CTA
*******
في بداية الألفية الجديدة تم إطلاق يد القطاع الخاص مرة أخرى لتقديم وسائل نقل جماعية، فتقدمت عدة شركات بأوتوبيسات صغيرة نسبيا ذات لون أخضر، وبتعريفة مستفزة تتضمن نوعا منقرضا من العملة هي جنيه وعشرة قروش، مما يؤدي إلى الكثير من المشاحنات بين السائق الكمسري والركاب بسبب عدم وجود باقٍ
مازال لدينا الكثير من الحكايات عن الأوتوبيس، فلا تهبطوا حتى الأسبوع القادم، ولا تنسوا أبدا أن.. العربية فاضية قدّام
*******
الأربعاء نوفمبر 25, 2009 11:57 am
